المرأة في المشروع الإسلامي المعاصر من منظور نقدي

في أغلب المنظومات الثقافية، القديمة والحديثة والمعاصرة، هناك بعض المفاهيم التي يمكن أن نصطلح عليها بالمفاهيم القلقة، وهي التي تتصف بطابع إشكالي، حيث تتعدد حولها الاجتهادات، ووجهات النظر بصورة مختلفة، وأحياناً متناقضة. وهذه المفاهيم القلقة غالباً ما تفرض حضورها مع مرور الزمن وتَجَدُّد الواقع، معرفياً وموضوعياً، سعياً باتجاه إخراج هذه المفاهيم من حالة القلق إلى حالة الاستقرار، حيث الوضوح والاتفاق ما أمكن.. وقد اتصفت هذه المفاهيم «القلقة» بوضعية خاصة داخل منظوماتها الثقافية، من حيث الاشتغال الفكري والثقافي، وحتى الأدبي في بعض الأحيان، وكان لهذا الانشغال المستدام، أثره على خلق حالة من الدينامية والحركية والإثراء، بوسائط النقد والحوار والنشر. ومن هذه المفاهيم القلقة ما يكون مرتبطاً بظرف زمني معين، بانتهاء هذا الظرف ينتهي التباين حول هذه المفاهيم، إمّا بمعالجتها، أو بتوقف الاشتغال بها، ومن المفاهيم ما يدوم طويلاً. والحالة الطبيعية أن يكون القلق في المفاهيم لزمن لا أن يكون مستداماً، فيتحول من ظاهرة قد تكون صحية إلى ظاهرة غير صحية، تتصف بالتعقيد، وتكشف عن حالة العجز في هذه المنظومات الثقافية، نتيجة ضعف القدرة على معالجة ذلك القلق. ومن المفاهيم القلقة في المنظومة الثقافية الإسلامية، قديماً كانت مسألة «الجبر والاختيار» التي اشتد حولها الاختلاف في منتصف القرن الثاني للهجرة. وحديثاً مسألة «الدين والعلم» التي جاءت نتيجة الاحتكاك بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، في القرن التاسع عشر الميلادي. ومن المفاهيم المعاصرة، تأتي مسألة «التراث والمعاصرة» مع مفاهيم أخرى. وكذا الحال مع منظومات ثقافية أخرى. ومن المفاهيم التي يشتد حولها القلق في الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر، مسألة «المرأة» وجدلية دولها الاجتماعي العام.. وعلى حد تعبير السيد «محمد حسين فضل الله» «إن الحديث عن المرأة ودورها الفاعل في البعد الإنساني المتنوع، والمتحرك المواقع، يثير الحوار حول الكثير من المفاهيم القلقة التي يحملها الناس في النظرة إليها، لا سيما في الإطار الديني الإسلامي، مما قد يؤدي إلى الارتباك في التعامل معها على صعيد الواقع، أو إلى فقدان ثقتها بنفسها من خلال الإيحاءات المختلفة المؤثرة في شعورها وإحساسها بالحياة من حولها، ونظرتها إلى المسؤولية الملقاة على عاتقها»1 ويصور هذا القلق الشيخ «محمد مهدي شمس الدين»، في كتابه حول فقه المرأة الذي عنونه بـ «مسائل حرجة في فقه المرأة»2. ويعبّر الدكتور «يوسف القرضاوي» عن هذا القلق بقوله: إن «قضية المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية مثل بارز يجسد موقفي الغلو والتقصير، أو الإفراط والتفريط»3. ويكشف عن هذا القلق ـ أيضاًـ الشيخ «محمد الغزالي» في القسم الذي خصصه عن المرأة في كتابه الذي أثار جدلاً واسعاً في وقته وهو كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»4. ومحور هذا القلق في قضية المرأة، هو جدلية دورها الاجتماعي ومشاركتها في الوظائف العامة. فحينما كتب الشيخ «محمد رشيد رضا» مؤلفاً حول «حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام»5 واعتبر أن الإسلام قال بمشاركة النساء للرجال في الشعائر الدينية والأعمال الاجتماعية والسياسية، اعترض عليه الشيخ «محمد ناصر الدين الألباني» في أثناء تحقيقه لهذا الكتاب، وتعليقه عليه، قائلاً: إن هذا الإطلاق باطل لمنافاته لعموم آية «وقرن في بيوتكن»6 وما كان عليه نساء السلف من عدم التدخل في السياسة7. أما الشيخ «رشيد رضا» فيرى في آية {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}8 أن الله قد أثبت للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين فيدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالي والاجتماعي، وولاية النصرة الحربية والسياسية، إلا أن الشريعة أسقطت عن النساء وجوب القتال9. وقد ميز الشيخ «محمد الغزالي» هذا النوع من الاختلاف على أنه اختلاف في المنهج بين أهل الفقه وأهل الحديث، وفي قراءة المفاهيم الإسلامية وتنزيلها على الواقع، في كتابه الذي ينتصر فيه لأهل الفقه، وهو كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث». وبلسان حال المرأة تقول الدكتورة «منى يكن»10 «لا تزال المرأة المسلمة مبعدة عن دورها الاجتماعي والحياتي إلى حد كبير، ولا يزال هاجس إبقائها على الهامش ينغص عيشتها، ويقلق راحتها، ويقصيها عن الحركة، وتبقى مسألة الاعتراف للمرأة بفاعليها، ودورها، وعدم فرض الوصايا العمياء عليها من أهم القضايا التي تشغل بالها»11. وتضيف السيدة «صافي ناز كاظم»12، أن «حظ المرأة المتعلمة من الالتفات ـ إسلامياً ـ لمحنة ظلمها الاجتماعي الذي أعادها إلى عذابات موروثات من العقلية الجاهلية قبل الإسلام، تفسير مبتور للآية الكريمة {وقرن في بيوتكن} وذلك بدل إعادتها إلى وضعها الذي قرره لها الإسلام»13. من هذا التمهيد نصل إلى تشخيص مورد البحث، أو تحرير محل النزاع كما في لغة الفقهاء. وهو إن هناك مشكلات حقيقية ومتجذرة حول قضايا المرأة في الخطاب الإسلامي، والمشروع الإسلامي محور هذه المشكلات هو جدلية دورها الاجتماعي العام.


2paper مرتبط

  •  

    نام

  •   2

    دسته بندی نشده

  •   2

    عربی

  •   1

    الثقافة الاسلامیة

  •   1

    الکلمة

  •   1

    2000

  •   1

    1389