728 x 90
728 x 90

چکیده مقاله

لكل مشروع حضاري موقف حضاري يمثل الدرجة التي بلغها الوعي التاريخي في سياق الزمان والمكان، من حيث الفهم والتفسير والتنظير والتغيير، في التعاطي مع الواقع من خلال الماضي والحاضر والمستقبل، ويتجلى في إنجازات ومنتجات حضارية يحفظها التاريخ وتتناقلها الأجيال. الموقف الحضاري في مشروع «التراث والتجديد» مرتبط بأحوال المجتمع العربي الإسلامي وبالمشكلات والتحديات التي تواجهه في عالمنا المعاصر، التي تعكس حالة من التخلف والتشتت والتأزم وغياب الإبداع، ويتأسس على الثلاثية في الأبعاد التي تمثل الجبهات الكبرى التي يشتغل فيها المشروع ككل، بعد الماضي ويمثل جبهة الموقف من التراث القديم، وبعد المستقبل ويمثل جبهة الموقف من المستقبل والعلاقة مع الآخر، أما البعد الثالث فهو الموقف من الحاضر ويمثل موقفنا من الواقع. في الغالب يكون الموقف الحضاري ذو الأبعاد الثلاثة يفتقد التوازن، فقد يتغلب البعد الأول بُعد الماضي والتراث، فتسيطر الثقافة الدينية والحركات السلفية والتعليم التقليدي والدعوة إلى المحافظة على التراث فكراً وسلوكاً في حياة الفرد والجماعة. وقد يتغلب البعد الثاني، بُعد الآخر وثقافته وحضارته فتسيطر الثقافة العلمية العلمانية والحركات التحديثية، والدعوة إلى التغريب. وقد يتغلب البعد الثالث، بُعد الحاضر أي بعد الواقع ذاته، فتنشأ الثقافات الشعبية وحركات التغير الاجتماعي، وفقدان التكافؤ في الحضور لدى الأبعاد الثلاثة للموقف الحضاري، هو «الذي يسبب فقدان وحدة الشخصية ويجعلنا نعيش في (فصام نكد) فتتضارب الثقافات ومناهج التعليم والمذاهب السياسية، ويُقضى على الوحدة الوطنية في الممارسة وعلى الشخصية القومية في النظر. الموقف الحضاري بأبعاده الثلاثة عند (حسن حنفي) يقوم على إعادة بناء التراث القديم في الجبهة الأولى، وعلى نقد التراث الغربي وتحجيمه وردّه إلى حدوده الطبيعية من خلال علم الاستغراب، الذي يفرض ظاهرة التناوب الحضاري بين شعوب الغرب، التي تمثل المركز في الموقف الحضاري الحالي، وشعوب العالم الثالث، التي تمثل الأطراف، وهذا في الجبهة الثانية جبهة الآخر والتعاطي معه حضاريًّا. كما يقوم على التنظير المباشر للواقع، هذا التنظير المفقود حاليًّا وفي حضور التبرير والانعزال والرفض، وهو ما يعرف بنظرية التفسير في الجبهة الثالثة، الجبهة التي تتعاطى مع الجبهتين الأُخريين وتحتويهما. وكل جبهة من الجبهات الثلاثة تستخدم طريقة الثورة وأسلوب التثوير لقلب الأوضاع وتغيير الأحوال بما يمكن -حسب حسن حنفي- من موقف حضاري محكم ومشروع حضاري قومي جريء سليم ورائد، به يخرج العالم العربي والإسلامي من التخلف، وتزول أزمة الإبداع، فيصنع التاريخ ويبني النهضة والحضارة، وهو مطلب كل أمّة توّاقة إلى التقدم والازدهار في ظلّ قيّمها وتراثها والقيّم العليا المشتركة لدى الإنسانية جمعاء. السياق الذي تجري فيه الثورة ويجري فيه التثوير داخل «التراث والتجديد» هو سياق التراث أولاً وسياق التجديد ثانياً، من خلال إعادة بناء الموروث القديم وتأسيس علم الاستغراب في مقابل علم الاستشراق وإيجاد نظرية محكمة في تفسير الواقع. في إطار تناول موضوع الثورة والتثوير في مشروع «التراث والتجديد» تمّ التركيز على تعاطي المشروع مع الثورة والتثوير، من حيث الدلالة، وكآلية لإحداث التغيير والتجديد في المجتمع العربي الإسلامي المعاصر، من منطلق أحواله وظروفه، والمشكلات والتحديات التي تواجهه، وفي سياقه التاريخي ببعده الزماني والمكاني، ممثلاً في الجبهات الثلاث: التراث والواقع والآخر. فإلى أي مدى تمكّن مشروع «التراث والتجديد» من تقديم تصور واضح ودقيق للثورة والتثوير فيه الأصالة والإبداع، يساهم في تغيير الواقع وفق منظور متوازن؟ وأين يلتقي هذا التصور مع ما يجري في العالم العربي الآن من حراك ثوري شبابي وشعبي متميز؟.

مجله
الکلمة ,
زبان محتوا
عربی , ...