هم جيل من الناس تدلت عليه الشمس منذ القدم في هذه الجزيرة التي كأنها قطعة انخذلت من السماء مع الإنسان الأول ... سكان الفيافي وتربية العراء ، ينبسطون مع الشمس ويفيئون مع الظل ويطيرون في مهب الهواء [ ... ] . هكذا عرّف الدكتور الرافعي العرب في كتابه عن تاريخ الأدب العربي ، والحق هم كذلك ، إذ لا يوجد هناك تاريخ لجزيرة عربية لا يوجد فيها عربيٌ ، فهم منها وهي منهم ، أولدتهم وكفلوها ، ربتهم واحتضنوها ، فهي شعب لا يُفهم بقدر ما يُعاش ، ولا يُنظر بقدر ما يعمل ، وليس من البعيد القول أن خارطة الشرق كانت هنا ، ومهد السماء كان هنا ، وبساط الأنبياء عليهم السلام مدّ هنا ، وهذا ما ميّزها منذ آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم . فالعرب هم أهل هذه الأرض وسكانها الأصليين وإن كانوا لم يُعرفوا باسم العرب إلا في عصور متأخرة من التاريخ ، ولكنهم هم خزان البشر في الجزيرة التي خرج منها السومريون والأكديون والآشوريون والمصريون والفينيقيون والكنعانيون ، وغيرهم الكثير من الموجات البشرية التي غذّت الشرق بالثقافة والحضارة والرقي والنمو . ولكن الغريب أن تقرأ كتابات تتحدث عن العرب على أنهم قوم أقصى جغرافيتهم ما عُرّفَتْ أنها منطقة الشمال منها وبعض البقاع الجنوبية . وهم همجٌ .. قبائل يستسيفون الدماء ويتشفون بالقتل ، وهمهم النهب والسرقة على قاعدة أنك إن تَسرِق تُسرَق ، وإن لم تَسْب تُسبى ، وهم جهلة لا يفقهون ثقافة ولا حضارة ولا غيره مما ينته اليونان أو روما ، وهم وإن وجد فيهم القليل من ذلك ، فبواسطة الإحتكاك الثقافي بينهم وبين الشعوب وهو نادر بفرعهم ، وقد استدل بعضهم بأن القرآن والعهدين قد شهدا بذلك أيضاً ، مما يعني أننا أمام مستمسكات حسّية ودينية تثبت أن العرب قوم من الأقوام لا حظّ لهم في الفهم والعلم ، وقد وعى هذا إلى الحديث عن عقلية جينية تحكم العرب ، فهم بأصل بنيتهم البيولوجية لا يقدرون على إنتاج معرفة كإنتاج غير من الشعوب ؛ إلى غير ذلك من الهرطقات التي لا تستند لدليل ولا تعتمد على منطق وبرهان [ ... ] من هذا المنطلق يأتي هذا البحث الذي يذكر الباحث أنه لم يكتبه للدفاع عن العرب وتمجيدهم ؛ إنما الغاية هو تقديم دراسة تتكفل بحث التاريخ العربي قبل الإسلام في خصوص الجزيرة العربية ، مركزة البحث حول الفكر الديني والعقلي فيها ، ومحدّدة مفردات نتناولها بالدراسة من قبيل " العرب والعربي ، أصل الجنس العربي ، أصل الجنس السامي ، طبيعة الجنس السامي ، الهجرات السامية ، لفظ العرب والعربي عند الشعوب الأخرى ، النسبة بين العرب والساميين ، الجزيرة العربية ، المؤرخون للجزيرة العربية ، أديان ومعتقدات الجزيرة العربية . الجاهلية ومعناها ، من هو الجاهليون ، العلوم عند العرب ، العادات والتقاليد ، إقتصاد الجزيرة العربية ، مدنها وأهم مواردها " .. إلى غيرها من المفردات التي سيطّلع القارىء عليها ، ليترك الباحث الحكم إليه فيها ، بعد قراءة موضوعية ومتمعنة لهذه الدراسة التي لم يألُ الباحث جهداً فيها ، جامعاً القرائن والشواهد لتثبيت فكرة أو نفيها ، كما عمد إفراد فصل حول " مصادر تاريخ العرب القديم " وربما يجد القارىء كثيراً مما هو غير مألوف للجميع حول الجزيرة العربية وتاريخها وأقوامها ومعتقداتهم وحضارتهم ، وللقارىء الحكم في ذلك ، وأقصى غاية الباحث أنه قرأ وقرأ ، ودوّن ذلك ، وجمع ما درس ، ليقدم هذه الدراسة الموضوعية الموثقة حول الفكر والحضارة في الجزيرة العربية .