إن ظهور الثورة المعلوماتية الحديثة والنت، وإنتشار المعرفة وسرعة الإتصالات والإنفتاح على جميع ما في العالم من نظريات وأفكار، وإنحلال فكري وأخلاقي، من خلال تلك النافذة الصغيرة، قد أحدث عواصف هوجاء لامست كل فرد، وأغرقت الأمة الإسلامية في بحارها، وقذفتهم في لججها وأمواجها، وكان من آثار ذلك ظهور فريق أخذته الصدمة وهو في حالة إندهاش وذهول، ليصبح في دائرة إغتراب أو في دوامة إستلاب، وفريق آخر جمدته الصمة، وأورثته عقدة أقعدته عن الإفادة المستبصرة الراشدة، وفريق ثالث توسط - وخير الأمور أوسطها - فلم يترهل مع الذائبين، ولم يتجمد جمود المتخشبين، بل انطلق من مبدأ قويم ومنهج سليم، فأدرك الفرق بين مقتضيات الحضارة وأهوائها، وثمراتها النافعة وأمراضها، ففرق بين هذا وذاك، على علمِ وهدى، وفق دراسة وتمحيص وتحليل عميق، فعرف ما كان نافعاً فأخذه، وما كان ضاراً فنبذه، بميزان علمي دقيق، وتقييم سليم يقبله كل عاقل بعيد عن الشبهة والهوى.