728 x 90
728 x 90

چکیده مقاله

إن رؤى التأسيس لم يعد يفيد فيها أن نتحدث عنها في بداية كل عمل بحثي أو علمي أو معرفي حيث تطغى معاني الديباجة في تفخيم الألفاظ، أومعاني الزينة لمقتضيات الاستكمال، بل علينا أن نترجم “رؤى التأسيس” إلى حركة بحثية دائبة تترك تأثيرها على مجالات الحياة وتنوعاتها، كما تترك بصماتها على كل مجال معرفي أو بحثي، وإطار ونسق مفاهيمي ومنظومة منهجية. إن استثمار هذه الرؤية في سائر المنتوجات المعرفية، وضمن السياق المعرفي هي البحث في كل متضمنات وفاعليات التعبير القرآني “صبغة الله”[1].. إن رؤى التأسيس لابد أن تفرض فعل وأشكال وتجليات لهذا التأسيس، تحرك أصول الوعي كما تدفع إلى مقدمات السعي، والسعي متنوع الحركات والمجالات ومن أهم دوائره على الإطلاق؛ الحياة البحثية والعلمية، إذ يهتم أصحاب هذه التخصصات بوصل الواقع والناس بمجمل أصول فقههم الحضاري ومتطلباته ومقاصده الكلية في عملية النهوض تجديدا واجتهادا. إن تأسيس رؤية كلية فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين من اهتمامات معاصرة أو قضايا تراثية وبما يؤدي إلى التمكين من الأصول العقدية الإسلامية والرؤية الحضارية القادرة على التواصل مع كل نتاج هذه الحضارة وما تقدمه الحضارات الأخرى من معارف متنوعة وذلك في سياق عملية التعارف الحضاري التي تشكل جوهر التواصل الإنساني والعمراني للحضارة الإسلامية[2]، وهو أمر يتعلق بأهمية الفقه الحضاري وهو المنهج الأسَّد في البحث والعلم والفهم والسلوك، إذ يشكل هذا الفكر منظومة من العناصر: الاستيعاب الحضاري[3] للقضايا والقيم والأفكار من كل الجوانب بما يؤصل الوعي الحضاري الذي يشكل مقدمة لدقة البحث ورشد التخطيط وسلامة التصرف. النظر الحضاري الذي يقوم على الجمع بين الشمولية والدقة والترتيب والانتظام والتحليل والعمق لإمداد البحث النظري والتطبيق العملي بضمانات الصحة والسداد. الإدراك الحضاري وهو حصيلة التفاعل الواعي بين الاستيعاب والنظر بحيث يضع القضايا في مقامها ومرتبتها اللازمة من حيث أهميتها ومنزلتها وجدواها. السلوك الحضاري؛ وهو إخراج الفقه الحضاري من حيث البحث النظري وتكوين الخبرة والملكة إلى حيز الممارسة والإفادة العملية فرديًّا وجماعيًّا في إطار ينظم بين الذاكرة الحضارية والواقع المعاصر واستشراف المستقبل حتى يكون السلوك الحضاري في صواب وسلامة في التفكير والتدبير والتسيير والتغيير والتأثير بما يضمن سداد وجدوى العمل والتطبيق. وتشكل هذه المنظومة أهم متطلبات الفاعلية الحضارية من خلال إرساء فكر ينهل من تعددية تراثية وفكرية ويعلي قدرة المسلمين فهمًا وممارسة على مواجهة التحديات المعاصرة، ربطًا بالعصر لا انفصامًا عنه ملتمسًا الحكمة بما يمكنه من الإسهام الفعال في تراث الإنسانية ونهضتها وعمرانها.

مجله
مجلة المعهد المصري ,
زبان محتوا
عربی , ...