728 x 90
728 x 90

چکیده مقاله

مع أنني أدرك أن موضوع الإصلاح الديني ومسألة التجديد هي من السعة بحجم ما فات الكيان العربي والإسلامي من غُنْم ركب الحضارة المعاصرة ومكتسباتها، وبحجم الفارق البنيوي الذي يعكس تراجيديا الانحطاط الذي ظل يرافق كل محاولات التقدم ومشاريع النهضة على امتداد قرن ونصف من التنظير للنهضة والإصلاح، فإنني أرى أفضل طريق لاقتصاد النقاش واقتصاد القول في هذه المحاولة، أن نتقيد بمحاوره وأسئلته، التي هي في تصورنا أسئلة داخلة في نطاق العمومات التي تتطلب تخصيصاً وتقييداً، خروجاً بها إلى فضاء التفاصيل وانتقالاً بها إلى مشهد ملامسة الشروط الموضوعية لجدل الواقع. لكن قبل أن نشرع في معالجة الأسئلة التي تشكِّل محاور هذا النقاش المهم والحيوي والضروري أيضاً، لا بد من مدخل نظري عام، يتعلق بفلسفة السؤال وجدله مع فلسفة الجواب، لدفع شبهة الفصل التعسفي بينهما، حيث لا مجال لدراستهما إلَّا في ضوء جدل السؤال والجواب، ومشموليتهما ضمن الجدل الكبير بتجلِّييه: جدل النظر والعمل، جدل العقل والواقع. فموضوعنا إذن يتعلق بفلسفة المواءمة بين السؤال والجواب؛ ودورانهما تبسيطاً وتركيباً، نزولاً وصعوداً، وجوداً وعدماً. المسألة الأساسية، والمحورية في معالجة قضية الإصلاح، أي إصلاح، مادامت تطرح نفسها على نحو بالغ الإلحاح، هو نجاعة السؤال. بمعنى آخر، هل نحن حقًّا نطرح أسئلة حقيقية أم أننا نجيب فقط جزافاً أو أننا نجيب دون أن نتساءل؟! ولا أخالكم ستتعجبون من هذه المفارقة: هل يمكننا أن نجيب من دون سؤال؟ أقول: نعم، وتلك هي أولى مفارقات العقل العربي اليوم. إنه يجيب فقط ولا يحسن السؤال. قد يسأل ويسأل، لكنه لا يسأل في الصميم، وسهمه لا يصيب الهدف. إنه لا يمتلك أسئلة حقيقية، سوى أنه يتقمص أسئلة ويتقمص أجوبتها في أرقى نشاطه. كاد التقليد يكون قدره، سواء أكان في مقام السائل أوفي مقام المجيب. إنه، بالنتيجة، لا يملك فلسفة السؤال، وبالتالي أنَّى له بفلسفة الجواب. ذلك لسبب بسيط، هو أنه لم يستوعب حتى اليوم مأساته وانحطاطه. وتلك هي ثاني المفارقات التي ابتُلي بها العقل العربي المعاصر. وحتى لا يكون هذا الحكم مجرد وهم ينطّ أو اتهام يشطّ أو حكم ينضاف إلى مسلسل الأحكام التي تفتقر إلى موضوعاتها، أجد نفسي ملزماً لإعطاء بعض الأدلة والشواهد على ذلك تباعاً.

مجله
الکلمة ,
زبان محتوا
عربی , ...