728 x 90
728 x 90

چکیده مقاله

قد يتبادر إلى الذهن ـ‏للوهلة الأولى ـ أننا نرمي من خلال هذه المعالجة، إلى تعزيز مركب نظري جاهز، يتقاطع مع السائد أو يناظر بناءً تأسيسياً ‏مزمناً ، أو قد يبدو مجازفة في دحض البنى القائمة،‏لصالح نزوة في التيه، أو رغبة في الخروج أو الإقامة بمعزل عن المقدس. ولكننا في جملة ما نرومه في أطاريحنا، نحاول التجرد قدر الإمكان عن كل ما من شأنه إعاقة العقل العربي والإسلامي عن بلوغ هدفيته الأسمى، ألا وهي الحقيقة في مختلف تمظهراتها الموضوعية. ولعلنا طيلة فترة من التغالب السياسي والتاريخي أثبتنا نحن العرب والمسلمين، بأننا مازلنا نتأرجح بين معوقاتنا الثقافية،‏متعثرين في أوهامنا وهواجسنا التي تجذرت في تفكيرنا نتيجة استبداد المقدس التاريخي بوعينا. إننا ـ حقاً ‏ـ‏نمثل نموذجاً غير سويٍّ في رؤيتنا للأشياء، حيث استعضنا بهواجسنا عن الواقع، وحيث أننا بالمقاييس الإسلامية نفسها لم نرق إلى رؤية الأشياء كما هي، تلك الرؤية التي يتيحها التقوى من حيث هي تطهير دائم للنفوس والعقول، كي تنهض بشروط النظر القويم والرؤية النافذة. وموضوع النظام السياسي في الإسلام، هو واحد من تلك المعضلات التي مازالت تتمظهر من خلالها آفات التفكير العربي والإسلامي والمعاصر، من حيث هي الموضوع الإشكالي الأكثر إلحاحاً وشيوعاً وخطورة. بل إننا ونحن نواجه هذا المد المهول من الاتجاهات التي ترى لنفسها الصلاحية المطلقة في أن تثبت ما ترى نفسها جديرة به من التصورات والآراء الإسلامية بخصوص النظام السياسي، نرى أنفسنا أمام صورة تطغى عليها الرغبة في المطلق أو يستبد بها منزع الشمول والكليانية. ولقد ظل الفكر العربي والإٍلامي المعاصر، مهووساً بنمط من التفكير يتجه نحو تعزيز أو تبرير أنساق جاهزة أو التنويع على المركبات، في حين ظل الجانب الغائب والمهمل في تفكيرنا،‏هو البعد التفكيكي للبنى والأنساق، بما يتيحه للناظر من رؤية أكثر صرامة للحقيقة وطبيعة انتاجها. إن المشكلة ليست ـ في واقعها ـ‏تتصل بالبحث عن الحقيقة أو الاستبداد بها واحتكارها.. ذلك بأن كل الأطراف المصطرعة حول هذا الموضوع،‏كانت تمثل حقيقة ما. إنما جوهر المشكلة يكمن في أن طرائق البحث عن الحقيقة،‏مسكونة بذهان مزمن،‏يجعل الحقيقة تنطلق من ذات مريضة،‏تفتعل فصاماً ‏خطيراً ‏بين الحقيقة والواقع،‏أو النص والحياة. من هنا يطغى المقدس الذي لايعني هنا ما تتظاهر به هذه الرؤية أو تلك بقدر ما يعني مظهراً لذهنية لاتملك إمكانية النظر السوي إلى موضوعها. فتغدو الحقيقة هدفاً قاراً وجاهزاً ‏أو ثابتاً ، وليس غاية احتمالية ونسبية وديناميكية. إنها بالنتيجة، مشكلة منهج في النظر،‏ومشكلة نمط في الرؤية. يتساهل الفكر الإٍلامي المعاصر، في السائد من أطاريحه، في اختبار منطلقاته وأسسه في النظر إلى موضوع النظام السياسي في الإسلام. وهذا ما يجعل الصورة التي يرسمها هذا الفكر عن النظام السياسي الأمثل، مبتورة في تفاصيلها وآلياتها ومأزومة في محتواها ومضمونها. وآية مأزمها ذاك، غياب الرؤية التاريخية لمظاهر تشكل النظام السياسي في السلام. هذا الغياب الذي عادة ما يتم بقصد منهجي أو بفعل آلية لا واعية تجعل الفكر الإسلامي، ينظر إلى موضوع النظام السياسي كمركب نهائي، يقتصر النظر أو البحث فيه أو عنه في حدود استرجاعه أو الإقامة الأمثل في منظومته. وحيث الآلية الوحيدة المتاحة لذلك، هي تعبئة الوجدان وزخّه بأشكال وألوان من المنشطات الخطابية. وحين تستنفذ هذه الاستراتيجية التعبوية أغراضها أمام سلطة الواقع وصيرورته، أو حينما يصدمها استشكالات المخالف، فإنها تلجأ إلى حيلة العاجز، والوجه الآخر للأطاريح الخطابية،‏وهو العنف الذي يحمل صكه المقدس. ولكنها قلما او ربما ليس من مقدورها أن تدرك بأن النظام السياسي، هو حصيلة تراكم وتأسيس وصيرورة في الفهم، وإن كان قد توسل بأسس يبدو للوهلة الأولى أنها أصول، أو تستنجد بآليات، يظهر من أمرها أنها تنهض على طابور من الثوابت والمقدسات. فهي بالنتيجة ذاهلة أيما ذهول عن أن تدرك بأن من شأن المركب أن يكون له مسار سابق، ولكل بنية تاريخها. نعم، حتى وإن كان التاريخ قد ساهم في صياغة هذه البنية لمرة واحدة،‏فإن تكرارها عبر مسارات طويلة من التغالب السياسي، لايعفي النظر من أن يتجه إلى مسارات تشكلها السابقة.

مجله
الکلمة ,
زبان محتوا
عربی , ...