728 x 90
728 x 90

چکیده مقاله

منذ أكثر من ثلاثة عقود، والعلاقة بين التراث والحداثة، تشهد جدلاً واسعاً في أوساط النخب العربية. وقد يبدو ذلك أمراً بَدَهِيّاً، حتى لو نظرنا إلى هذه العلاقة خارج الإطار الإيديولوجي الذي يحدد طبيعة إشكاليتها. إنها نفسها العلاقة التي تبرز للوهلة الأولى بوجهها الإشكالي، لمجرد تصور طرفيها. يصبح الحديث عن التراث والحداثة تقابلياً، لجهة كونهما في وضع المتضايفين. حيث الحديث عن أحدهما يستدعي سؤال وصورة الآخر. وهذا هو الوجه الإشكالي. وهو الموضوع الذي أثير حوله أكبر وأهم نقاش في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، ولا يزال محل نزاع لم ينقطع حتى الآن. وقد فسر البعض سريان هذا النزاع بعامل الفشل الذريع الذي آل إليه الوضع العربي. بينما تراءى سريان هذا السؤال في الفكر العربي والإسلامي المعاصر للبعض الآخر، كعلامة على ضرب من المحايثة. نظراً لاستمرارية حضور التراث في الوعي العربي والإسلامي الحديث والمعاصر. هذا، بالإضافة إلى أن هذا الاهتمام، نابع من واقع لحظتنا، بوصفها لحظة تعيش على إيقاع السؤال الأعظم، الذي لا يزال مطروحاً بإلحاح في المجال العربي والإسلامي، ألا وهو سؤال: النهضة! وقد أرجع البعض، أسباب هذا التضخم في الاشتغال بسؤال التراث والحداثة، إلى حالة "الإخفاق والانسداد التي ولجتها البلاد العربية منذ مطلع العقد السابع من القرن العشرين بعد أن تعرض مشروع النهضة والتقدم فيها إلى انتكاسة فادحة". وأيضا ترجع أسباب هذا الانهمام الكبير بمسألة التراث إلى "حالة التأجيل التي مازالت توجد عليها اليوم أسئلة الماضي [...]، إخفاق الحاضر: حاضر العرب، في إنجاز مطالب النهضة والتقدم والحداثة وسواها، أنتج كل الأسباب لتجديد سلطة التراث بوصفها سلطة ماضٍ لم ينته في حاضر لم يبدأ". إن الشرط الموضوعي الأهم الذي أذكى هذا الانهمام بمسألة التراث وعلاقته بالحداثة في الاشتغال النقدي العربي والإسلامي المعاصر، بهذا الحجم الكبير، واللافت للنظر، إلى حد جعل البعض يرى فيما تم إنتاجه من نصوص حول التراث في الربع قرن الأخير، "يناظر في الكم ما في حوزتنا -حتى الآن- من نصوص التراث نفسه". أجل، إن الشرط الموضوعي الأهم، هو فيما أدت إليه نكسة حزيران -1967-، تلك التي ضغطت على الفكر العربي والإسلامي المعاصر باتجاه إعادة تأثيث إشكالياته على أرضية من التشخيص الجديد للمشكل العربي. وقد بدا تأثيرها على الوعي العربي واضحاً، رغم كل المحاولات التي رامت التخفيف من وطأتها النفسية إلى حد أعادت فيه الفكر العربي والإسلامي إلى وضعية الأزمة. أو لنقل بتعبير د. محمد جابر الأنصاري: إنها وضعته "تحت الحصار". فهي النكسة التي كشفت "عن أقسى هزائم العرب، ليس بالمعنى العسكري فحسب، وإنما بمختلف الأبعاد الكيانية الأخرى". وهذا ما يؤكد على أهمية حضور الهزيمة في تحليلنا للصراع الإيديولوجي في الفكر العربي والإسلامي المعاصر. بوصفه فكراً يحمل انجراحات مرضية على حد تعبير د. علي زيعور، أو عقلاً في أزمة، حسب القراءة النقدية الجابرية في نقده للعقل العربي، أو عقلاً مهزوماً كما في "مساءلة الهزيمة" لمحمد جابر الأنصاري. لقد تعدى تأثير هذه الهزيمة إلى مجال العقل العربي بعد أن كانت الهزيمة هزيمة عسكرية. الأمر الذي أدى إلى هذا الاستنفار للحركة النقدية العربية والإسلامية المعاصرة -في نوع من الاستجابة للتحدي- باتجاه الدفع بالمسألة إلى أقصى حدود الاشتغال، حيث بات السؤال ملحاً: أين الخطأ، وأين المشكلة؟ ويعبر الناقد العربي د.عبد العزيز حمودة عن هذا الربط بين واقع النكسة والهزيمة، وإلحاحية سؤال التحديث قائلاً: "بالمنطق نفسه يمكن فهم ما حدث في السنوات التي أعقبت الهزيمة العسكرية عام 1967، حينما اعتبرها قطاع كبير من الشعب العربي هزيمة لعقل عربي متخلف، ومن ثم بدأ البحث المحموم، وسط إحباطات مؤلمة، عن تفسير انتهينا فيه إلى الرغبة المحمومة في تحديث الأداة العسكرية وفنون القتال وإدارة المعارك. وقد استغلت قلة منا رغبة الجماهير العربية في تحقيق تحديث كامل، لتحقيق (حداثة) انتهت بنا إلى الارتماء الكامل في أحضان الثقافة الغربية ومنجزات العقل الغربي دون تمحيص أو ترو".

مجله
الکلمة ,
زبان محتوا
عربی , ...