728 x 90
728 x 90

چکیده مقاله

يغلب استخدام حوار الأديان، حوار الثقافات، حوار الحضارات، كمترادفات، إلا أن تأصيل الدراسات الحضارية يقتضى التمييز بين المستويات الثلاثة وإن لم يكن الفصل بينها، حيث تتقاطع هذه المستويات بطريقة أو أخرى، انطلاقًا من تعدد تعريفات كل من الدين والثقافة والحضارة. ومن ثم فإن موضوعًا بعنوان: “البعد الثقافي في حوار الحضارات” إنما ينطلق من مفهوم واسع للحضارة يتضمن البعد الثقافي باعتباره المكون القيمي للحضارة والذي يصبغها بصبغته، وقد تتعدد الثقافات الفرعية في حضارة واحدة ولكن يظل يجمعها رابط جمعي وسطي يميزها جميعًا بالرغم مما بها من تنويعات تحقيقًا لسنة الله في تعدد الأقوام وتنوع الألوان والألسنة ولو في نطاق أمة واحدة قامت على رابطة عقدية فأضحت كيانًا حضاريًا اجتماعيًا، والأمة الإسلامية خير ممثل لهذه الصورة[1]. هذا ويتسم البعد الثقافي في حوار الحضارات الآن بما يميزه عمَّا كان يتسم به في مراحل سابقة من تطور النظام العالمي؛ حيث تنوعت أشكال وأنماط الحوار والتفاعل بصفة عامة بين الحضارات المختلفة عبر التاريخ. ومن ثم فإن النظام العالمي المعاصر، على الأقل منذ نهاية الحرب الباردة وفي ظل العولمة، تختلف خصائصه الهيكلية وحالته ومنظومة القيم السائدة فيه، عمَّا كان يعرفه نظام الحرب الباردة والقطبية الثنائية، أو نظام تعدد القوى وصراع القوى الكبرى التقليدي منذ نهاية القرن التاسع عشر أو…الخ[2]. ولم يكن هناك اتفاق بين منظري المرحلة المعاصرة من العلاقات الدولية، حول درجة الاستمرار أو الاختلاف في خصائصها بعد نهاية الحرب الباردة أو حول ماهية العولمة وتجلياتها وعواقبها[3]، إلا أنه قد حدث توافق على أمرين كان لهما آثارهما الكبيرة على دوافع ومبررات الحاجة إلى حوار بين الحضارات وموضع التغيرات الثقافية من هذا الحوار وهذان الأمران هما: من ناحية، بروز الأبعاد الثقافية والدينية في تشكيل العلاقات الدولية مع درجة كبيرة من اختراق الخارجي للداخلي، ومن ناحية أخرى أن النظام العالمي الجديد ليس بأفضل من سابقه بعد نهاية الصراع الأيديولوجي؛ حيث تستمر أوجه التباين والاختلاف بين مكوناته، بل وتغلب على أوجه الانسجام، تلك الأخيرة التي كان يبشر بها أنصار الليبرالية الجديدة ومنظرو العولمة. وفي قلب هذا الأمر الثاني احتل الإسلام والمسلمون موقع الصدارة في إعادة تشكيل هذا النظام العالمي. ولا أدل على ذلك من طغيان الحوار بين الإسلام والغرب[4] على غيره من الحوارات بين حضارات أخرى. كذلك انفرد العالم الإسلامي باستهداف الغرب له بالوجه الآخر للقوة، أي القوة الصلدة، وبقيام المسلمين بقتال بعضهم بعض. ومن ثم فإن اقترابي من الموضوع، استنادًا لهذا الفهم عن موضع البعد الثقافي من حوار الحضارات وعن مفهوم نظام عالمي مختلف يستلزم أن تنطلق الدراسة من بعض مشاهد بخبرات تقدم دلالالتها بالنسبة لتعدد المداخل لتناول البعد الثقافي لحوار الحضارات مما يساعد على تحديد المدخل الذي ستركز عليه الدراسة، ألا وهو التوظيف السياسي من ناحية وعواقبه على نتائج الحوار وما يستلزمه من شروط لتفعيله. ومن ثم تنقسم الدراسة بعد هذا التمهيد إلى جزئين: أولهما؛ يرسم خريطة الخطابات العربية/الإسلامية تجاه عملية الحوار وعلى النحو الذى يبين إشكالية العلاقة بين الثقافي والسياسي، حيث تنبني الدراسة على مقولة أن حالة الحوارات الكبرى الراهنة التي تحتكر المبادرة بها وتسويقها وتوظيفها القوى الكبرى، إنما تتسم بالتسييس غير الرشيد والذي يجرد الحوار من منافعه كعملية تواصل وتعارف وتجعل منه أداه سياسية بالدرجة الأولى تحقق أهداف ومصالح سياسات صراع القوى أكثر من خدمة أهداف العدالة وحماية الحقوق المشروعة التي تتهاوى أمام القوة الظالمة. الجزء الثاني: يسعى لتقديم ملامح تصور إسلامي حضاري عن موضع منظومة (التعارف-الحوار) من خطاب إنساني إسلامي يستجيب لتحديات العولمة وتحديات تسييس الحوار ويؤسس لتغيير عالمي منشود.

مجله
--
زبان محتوا
عربی , ...