كان فقه الحضارة الإسلامية، والوعى بمنهاجها الوسطى الجامع لعناصر ومقومات ومكونات الحق والعدل.. والمبرأ من غلوى الإفراط والتفريط، فريضة من فرائض الفكر الإسلامى، وواجباً من واجبات العقل المسلم دائماً وأبداً، عبر الزمان والمكان.. وعندما تدخل الحضارة الإسلامية إلى مثل المأزق الذى تعيش فيه الآن، فإن هذه الفريضة تغدو أكثر تأكيداً.. وهذا الواجب يصبح أكثر إلحاحاً.. ففقه السنن التى قامت بها وعليها الحضارة الإسلامية، فى فجرها الأول، ليس مجرد "قراءة" للتاريخ، وإنما هو "وعى" بهذا التاريخ، لابد منه لفقه الخروج من المأزق الراهن الذى دخلت فيه هذه الحضارة.. وفى هذا "الوعى" يكمن معنى المقولة المأثورة الصادقة التى تقول: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".. فالوعى بسنن النشأة والتأسيس.. وبالقوانين التى حكمت تدافع هذه الحضارة مع أعدائها، هو -فى الحقيقة- علم الوعى بأسباب الإقلاع الحضارى من المأزق الذى نعيش فيه.. كما أن الوعى بالسمات والقسمات التى بها تميزت الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات، ليس مجرد دراسة مقارنة للترف الفكرى.. أو المفاخرة والمباهاة.. وإنما هو علم البعث الحضارى المتميز لحضارتنا الإسلامية، دونما مسخ أو نسخ أو تشويه.. لذلك، كانت دراسات هذا الكتاب قبسات من الوعى والفهم والفقه لحضارة الإسلام.. نسأل الله سبحانه وتعالى، أن يجعلها نافعة وفاعلة فى إضاءة طريق الإقلاع والنهوض من المأزق الحضارى الذى دخلت فيه حضارتنا، بفعل الهيمنة الغربية التغريبية.. وبسبب الجمود والتقليد لتخلفنا الذاتى الموروث.. إنه، سبحانه، خير مسئول.. وأكرم مجيب.