فی ظلِّ ما تشهده بلادُ المسلمين من كثرة الفتن والحروب، وتوالی الأزمات والخطوب؛ وجدَ المؤلِّفُ نفسَه أمام مسؤوليَّاتٍ جسيمة، فانكبَّ باحثاً عن أسبابها وعوامل انتشارها ودوام سعيرها، فَوُفِّقَ أيَّما توفيقٍ بتقديم دراسة منهجيَّة ضمَّنها فی هذا الكتاب الَّذي يذكر فيه اضطرابَ حبل الأمن فی العالم الإسلامیِّ، وشيوع الفتن فی غير بلدٍ من بُلدانه، كما ذكرَ العوامل التَّاريخيَّة الَّتی تحرِّكها وتعمل على دوامها، ثمَّ ذهب إلى بيان العلَّة الجوهريَّة لتلك الفتوق والفتن، وجرَّد القولَ فی شرح التَّنافر بين الموروث السِّياسیِّ والعسكريِّ والثَّقافیِّ للشُّعوب الإسلاميَّة، والميراث السِّياسیِّ والإداريِّ المقترِن بنشأة الدّولة الحديثة وجوهرها العلمانیِّ الليبرالیِّ الدّيمقراطیِّ المُبايِن لثقافة الأحكام السُّلطانيَّة السَّائدة فی بلاد المسلمين إلى يومنا هذا . ثمَّ بسطَ الكلامَ فی الفصول اللاَّحقة لحلِّ عقدة أزمات بلاد المسلمين، وإخماد نيران الفتن والملاحم المنتشرة فيه ا . ولعلَّه أرادَ أن يفتح باب السِّجال بهذا الكتاب؛ حتَّى يخوض المفكِّرون والدَّارسون بحثاً عن أسباب إنقاذ هذه البلدان من موارد هلاكها، فمنذ ظهور الدَّولة الوطنيَّة الحديثة؛ لم تفتأ بلاد المسلمين تنتقل من طَور إلى آخَر أسوأ من سابقه، يُستحلُّ فيه القتل وسفك الدِّماء، وتنتشر الأزمات السِّياسيّة والإقتصاديّة . وقد عرضَ فی هذا الكتاب أزمات معظم بلاد المسلمين من إندونيسيا إلى السِّنِغال، كاشفّاً فيه عللَ وأسبابَ نشأة منذ الأزمات، وحلَّ العقدة المستعصية فی تلك البلدان، وتحدَّثَ عن حالتَی الدَّولة الحديثة فی العالم الإسلامیِّ : الأولى: حين تكون الدَّولة الحديثة عبئاً وحملاً ثقيلاً على كاهل بلاد المسلمين، وأزمة إضافيَّة زائدة على أزماتها التَّقليديَّة. الثَّانية: حين تكون الدَّولة الحديثة حلَّاً لأزمات هذه البلدان، وذلك حين يتمُّ الوفاء بشروط إقامة الدَّولة الحديثة فيها، وعندها تضع الحروب فی تلك البلدان أوزارَها، وتخمد نيران الفتن الطَّائفيَّة والقوميَّة والجِهَويَّة، وينتشر الاستقرار السِّياسیُّ، وتنطلق مسيرة التَّنمية الإقتصاديَّة وتنشأ دولة القانون فيها.